اليأس..ماهو؟


اليأس..هو أن تقبع جالسا في قاع الظلمات…تلتهتمك أفاعي الوساوس الشيطانية وتلدغك عقارب الظنون الكاذبات…

اليأس..هو أن تستلقي راقدا في بحيرة من ماء العيش الآسن…جامدا لا تحركك النائبات المدلهمات.. ولا تنعش فيك النعم النازلات فرح الحياة..

اليأس.. هو أن تدمن اجترار الذكريات الموجعات..ونكأ الجراحات القديمات..وتتعمد نسيان الذكريات الطيبات المسليات..

اليأس..هو أن تقول: أنا لم أعد أصلح ولن أعود..وأنت تعلم أنك كاذب.أو أن تقول:ما أنا فيه هو الصلاح…وأنت تعلم أنك كذوب.

اليأس هو أن (تعتاد) ذكر الجنة فلا تشتاق.. وذكر النار فلا ترهب.

اليأس..هو أن تعاقر خمر الشهوات بلا انقطاع.. بلا لذة..وبلا فسحة من حياة…أن تستمرئ ذلّك لها وتشوفك إليها دون أن ترفع بها رأسا أو تقضي منها وطرا.

اليأس.. هو أن تفعل الخيرات فلا تسعد.. وأن تأتي بالحسنات فلا تُسر…وأن ترى الخير في أمتك فلا يبتهج قلبك وترى الأحزان والأوجاع فيهم فلا يأسى … وأن تمر عليك ذكرى المذابح والوقائع فلا تدمع عينك ولا ينتفض حقدك وغضبك.

اليأس..هو ألا تنتظر غيث السماء ليحيي أرض قلبك الخاشعة لأنك توقفت عن بذر البذور وعن زرع الفسائل فيها.. لأنك قد صدقت ظن الشيطان فيك أنك أرض بور.

اليأس راحة…ولو كنت تتحرك بجسدك.

اليأس..هو أن يمر الذنب على قلبك مرور الزائر الثقيل المرحب به.. وأن لا ينكت فيه نكتة سوداء مؤلمة لأنك اعتدت السواد ولم تعد تلفظه كما كنت في أول العهد…

ياهذا…بالله قلي كيف نسيت أول دمعة، بله أول دعاء.. وأول آية لامستك… وأول غيث على قلبك الذي ما كنت تعرفه قبل أن تعرف الله عز وجل..

ذلك العهد الأول الذي كدت تنساه.. وكادت ذكرياته البيضاء النقية تندرس في ذاكرتك التي احتلتها شياطين الإنس والجن فلم تعد تبالي بنقاء يذكرك أمجادك الأولى وبيض صنائعك الأُول.

أما اشتقت…!
{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر : 23]

ألم يأن..؟!
{۞ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد : 16]

أما علمت؟
{اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الحديد : 17]

أما عرفت؟
{وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ ۚ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشورى : 28]

أما قرأت؟

{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ۚ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۚ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فصلت : 39]

أما سمعت قول حبيبك ﷺ؟
{… فَأَقُولُ: يَا رَبِّ ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَيَقُولُ: وَعِزَّتِي وَجَلاَلِي، وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي لَأُخْرِجَنَّ مِنْهَا مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.}[1]
فكيف بالله تسلم راية الإسلام وتخلد إلى أرض  الكفرة الفجرة؟

أنت بحاجة إلى الصبر…والصبر كما قال أحدهم “فن التمسك بالأمل”[2]
عليك أن تتفنن وأنت في عمق البئر في التمسك بحبل الأمل…يجب أن تراوغ أفكار اليأس والقنوط والانحطاط وتتفلت من قيدها ما استطعت.. وإن هي فازت بجولة فقابلها أنت بجولات.. ولا يضرك أن تخسر نقاطا مادمت تربح أخرى[3]…ولن تعرف بأي حسنة يرحمك الله تعالى وهو يراك تجاهد.

{مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} العنكبوت 5

[1]البخاري.. حديث الشفاعة.
[2] سلوانة الصبر الأعظم. علي أبو الحسن.ساوند كلاود.
[3] الدكتور أيمن البلوي. سلسلة إدارة الذنوب. يوتيوب.

Continue Reading