خاطرة فقير

أشعر في بعض الأحيان أنني لا أجيد فعل شيء ولا حتى مجرد التفكير إلا عندما يكون الله تعالى ونوره حاضرا في قلبي ونفسي..
أعتقد أن الله خلقني شديد الاحتياج إليه في كل ثانية ولحظة أتحول إلى ركام وظلمة وعدم إذا لم أكن معه ولم أطعه ولم أتوكل عليه ولم أصدق معه. أعتقد أن ذلك كله لأنه يحبني ولأنه يريدني.. ولو كان يبغضني ويريد عذابي لأمدني بالحياة والمتعة والقوة وأنا أعصيه ثم أخذني يوم القيامة فلم يفلتني..

كنت من قبل أظن أن الآخرين حينما يعصون الله ثم تستمر حياتهم بشكل اعتيادي ولا يشعرون أن ثمة خطب ما قد حصل..كنت أظن أن ذلك يجعلهم أفضل مني في ممارسة الحياة وأنهم عمليون ولايعقدون الأمور..
الآن… أنا أعتقد أن الإنسان كلما حاد عن الطريق – طريق الله-فتنغصت معيشته وتكدرت حياته كلما كان أقرب إلى الله ممن سواه..
وكلما كانت تلك الصغائر والدقائق تؤرقه وتقض مضجعه ولا تمر عليه بسهولة ولا مبالاة كلما كان أنقى روحا وأشد فهما لمعنى الحياة وحقيقتها..
{انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا} الإسراء.

وكلما تعامى شديد الفاقة عن حقيقة فاقته كلما أوغل في طريق الشقاء..وكلما عذب روحه عذابا يوازي قدر فاقته… وكلما أقبل على استشعارها والتجائه إلى من له القوة جميعا  كلما أشرقت روحه وأصبحت حياته غناء يفوح منها أريج السعادة والجمال.. وكلما هانت عليه الصغائر كلما هان وكلما عظمت عليه كلما عظم… وكلما رأى نفسه كبيرا كلما صغر وكلما رأى نفسه صغيرا كلما كبر..

{۞ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر]

أدرك أن هذه اللحظات الغناء قليلة في حياتي…وأني غالبا ما أعيشها وحدي..وأن ضعفي يغلبني أمام الآخرين كثيرا..
ولكني أحلم أن أموت وأنا أجاهد..فيارب بحبك إياي لا تقبضني إلا وأنا أجاهد.

Continue Reading

اليأس..ماهو؟


اليأس..هو أن تقبع جالسا في قاع الظلمات…تلتهتمك أفاعي الوساوس الشيطانية وتلدغك عقارب الظنون الكاذبات…

اليأس..هو أن تستلقي راقدا في بحيرة من ماء العيش الآسن…جامدا لا تحركك النائبات المدلهمات.. ولا تنعش فيك النعم النازلات فرح الحياة..

اليأس.. هو أن تدمن اجترار الذكريات الموجعات..ونكأ الجراحات القديمات..وتتعمد نسيان الذكريات الطيبات المسليات..

اليأس..هو أن تقول: أنا لم أعد أصلح ولن أعود..وأنت تعلم أنك كاذب.أو أن تقول:ما أنا فيه هو الصلاح…وأنت تعلم أنك كذوب.

اليأس هو أن (تعتاد) ذكر الجنة فلا تشتاق.. وذكر النار فلا ترهب.

اليأس..هو أن تعاقر خمر الشهوات بلا انقطاع.. بلا لذة..وبلا فسحة من حياة…أن تستمرئ ذلّك لها وتشوفك إليها دون أن ترفع بها رأسا أو تقضي منها وطرا.

اليأس.. هو أن تفعل الخيرات فلا تسعد.. وأن تأتي بالحسنات فلا تُسر…وأن ترى الخير في أمتك فلا يبتهج قلبك وترى الأحزان والأوجاع فيهم فلا يأسى … وأن تمر عليك ذكرى المذابح والوقائع فلا تدمع عينك ولا ينتفض حقدك وغضبك.

اليأس..هو ألا تنتظر غيث السماء ليحيي أرض قلبك الخاشعة لأنك توقفت عن بذر البذور وعن زرع الفسائل فيها.. لأنك قد صدقت ظن الشيطان فيك أنك أرض بور.

اليأس راحة…ولو كنت تتحرك بجسدك.

اليأس..هو أن يمر الذنب على قلبك مرور الزائر الثقيل المرحب به.. وأن لا ينكت فيه نكتة سوداء مؤلمة لأنك اعتدت السواد ولم تعد تلفظه كما كنت في أول العهد…

ياهذا…بالله قلي كيف نسيت أول دمعة، بله أول دعاء.. وأول آية لامستك… وأول غيث على قلبك الذي ما كنت تعرفه قبل أن تعرف الله عز وجل..

ذلك العهد الأول الذي كدت تنساه.. وكادت ذكرياته البيضاء النقية تندرس في ذاكرتك التي احتلتها شياطين الإنس والجن فلم تعد تبالي بنقاء يذكرك أمجادك الأولى وبيض صنائعك الأُول.

أما اشتقت…!
{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر : 23]

ألم يأن..؟!
{۞ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد : 16]

أما علمت؟
{اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الحديد : 17]

أما عرفت؟
{وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ ۚ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشورى : 28]

أما قرأت؟

{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ۚ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۚ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فصلت : 39]

أما سمعت قول حبيبك ﷺ؟
{… فَأَقُولُ: يَا رَبِّ ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَيَقُولُ: وَعِزَّتِي وَجَلاَلِي، وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي لَأُخْرِجَنَّ مِنْهَا مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.}[1]
فكيف بالله تسلم راية الإسلام وتخلد إلى أرض  الكفرة الفجرة؟

أنت بحاجة إلى الصبر…والصبر كما قال أحدهم “فن التمسك بالأمل”[2]
عليك أن تتفنن وأنت في عمق البئر في التمسك بحبل الأمل…يجب أن تراوغ أفكار اليأس والقنوط والانحطاط وتتفلت من قيدها ما استطعت.. وإن هي فازت بجولة فقابلها أنت بجولات.. ولا يضرك أن تخسر نقاطا مادمت تربح أخرى[3]…ولن تعرف بأي حسنة يرحمك الله تعالى وهو يراك تجاهد.

{مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} العنكبوت 5

[1]البخاري.. حديث الشفاعة.
[2] سلوانة الصبر الأعظم. علي أبو الحسن.ساوند كلاود.
[3] الدكتور أيمن البلوي. سلسلة إدارة الذنوب. يوتيوب.

Continue Reading

الأمل الأول…والأخير

تراودك أسئلة الحسرة أحيانا عن كل الأفعال التي أخرتها وتحاول تقديمها الآن فتعجز وتنجح قليلا وتصل وتتعثر مرات..
يقال لك: أما كان الأمر أسهل بكثير عندما كنت في عافية..؟ أما كان أيسر لك وأقل ثمنا وفداحة وأصون لماء وجهك وآمن لروحك وقلبك أن تكون أقدمت عندما لم تكن ثمة كل تلك الحفر في روحك وفي الطريق…

يقال لك: إن الهوى المستحكم هو الداء العضال…
وإن العودة إلى نقطة البداية بعد أن تفرقت بك السبل شيء تبذل دونه السنوات والأعمار..
ولكنه والله لجهاد..وإن نقطة البداية هي ذاتها نقطة النهاية..
{وأن إلى ربك المنتهى}
{هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم}
وأن تسقط وتحاول النهوض ألف مرة خير من الإخلاد إلى الأرض..
دع عنك كل أحلام الدنيا التي تحطمت فيك.. واجعل الله هو “الحلم الأخير” الذي لايموت..
{من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت}
ثم إنه سيدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان كما أخبر رحمة الله للعالمين.
فطلق اليأس ثلاثا..وعانق الأمل الأخير…

Continue Reading

أتلو القرآن ولا أجد قلبي

لماذا يتلو المرء القرآن ويذكر فيجد قلبه أحيانا ولا يجده أحايين أخرى ولا يعرف السبب؟
قرأت في كتاب جمالية الدين للشيخ فريد الأنصاري رحمه الله ودونت هذا الاقتباس منه :

“قال الجنيد : الحال نازلة تنزل بالقلوب فلا تدوم
وقال أبو بكر الكلاباذي : الأحوال مواريث الأعمال ولا يرث الأحوال إلا من صحح الأعمال
المقام كسب وعمل والحال فضل ومواهب
المقام العمل والحال مايرد من الحق تعالى على القلب دون أن يطيق العبد دفعه أو جذبه تكلفا من أذواق ومواجيد”

ومثله قول الإمام الغزالي في الإحياء :
“جلاء القلب وإبصاره يكون بالذكر وهذا لا يتمكن منه إلا الذين اتقوا.. فالتقوى باب الذكر والذكر باب الكشف والكشف باب الفوز الأكبر وهو لقاء الله تعالى.. “

Continue Reading