أتلو القرآن ولا أجد قلبي

لماذا يتلو المرء القرآن ويذكر فيجد قلبه أحيانا ولا يجده أحايين أخرى ولا يعرف السبب؟
قرأت في كتاب جمالية الدين للشيخ فريد الأنصاري رحمه الله ودونت هذا الاقتباس منه :

“قال الجنيد : الحال نازلة تنزل بالقلوب فلا تدوم
وقال أبو بكر الكلاباذي : الأحوال مواريث الأعمال ولا يرث الأحوال إلا من صحح الأعمال
المقام كسب وعمل والحال فضل ومواهب
المقام العمل والحال مايرد من الحق تعالى على القلب دون أن يطيق العبد دفعه أو جذبه تكلفا من أذواق ومواجيد”

ومثله قول الإمام الغزالي في الإحياء :
“جلاء القلب وإبصاره يكون بالذكر وهذا لا يتمكن منه إلا الذين اتقوا.. فالتقوى باب الذكر والذكر باب الكشف والكشف باب الفوز الأكبر وهو لقاء الله تعالى.. “

Continue Reading

أن تبقى إنسانا

​جورج اورويل مرة أخرى…[أن تبقى إنسانا]

” وإذا استطاع المرء أن يشعر بأن بقاءه إنسانا هو أمر يستحق التضحية من أجله ، حتى لو لم يؤد ذلك إلى نتيجة ، فإنه يكون قد ألحق بهم الهزيمة “

أن تبقى إنسانا ، أو أن تموت وأنت إنسان ولو لم يؤد ذلك إلى نتيجة  ؟! أمر يستحق أن تضحي من أجله ؟!! ألحق بهم الهزيمة!

اثق تماما ان هذه الكلمات تبدو مضحكة جدا للكثيرين ، بل إنها مثار سخريتهم وضحكاتهم الجوفاء على وسائل التواصل الاجتماعي… ط

كيف ننتصر ونحن نموت كل يوم ؟

كيف ننتصر (وليس لنا من الأمر شيء ) كل الامر لهم ! يقتحمون أحياءنا ، ويقتلون شيبنا وشباننا ، ويعتقلون نساءنا متى شاؤوا ، أذلاء نحن مستضعفون لا حول لنا ولا قوة ، كيف تجرؤ على أن تسمي ذلك نصرا ؟ ألا تخجل من نفسك أن تستهتر بكل تلك الدماء والأعراض ؟!

هذه كلماتهم واسئلتهم ، منهم من يجرؤ على قولها ، ومنهم من يبقيها في قلبه الخبيث ، ويقولون بأفواههم ماليس في قلوبهم ، حتى إذا انقلب الحال يوما قالوا : ألم نكن معكم ؟

كنا عايشين

سمعت الشيخ محمود الدالاتي مرة يزأر على منبر مسجد عمر بن الخطاب بحمص بما معناه :

” ولتجدنهم أحرص الناس على حياة…”

أي حياة…حياة البهائم السائبة التي تأكل وتشرب وتنكح…حياة الأذلاء الصاغرين ،حياة المقهورين..

لايهم…المهم أن تكون حياة نتنفس فيها ، ولو كانت أنفاسنا عبئا على الكون .

بلال..ووحشي عبدان أسودان

في هذا السياق أيضا ، كنت أشاهد منذ فترة مسلسل (عمر بن الخطاب ) ، إحدى الحلقات كانت عن مرحلة الانتقال من الدعوة السرية إلى الجهر والإعلان ، فصورت بطش قريش بضعفائها الذين عرفوا الحق وآثروا اتباعه على البقاء تحت سيادة كبرائهم مذلين مهانين يأكلون ويشربون ويتمتعون…

بلال ، كان أحدهم . صديقه وابن جلدته وحشي كان يشفق عليه ، ويتعجب في ذات الوقت من قوته وصلابته التي أبداها أمام تعذيب سيده أمية بن خلف ، بعد ان كان عبدا ضعيفا خوارا لا يعصي له أمرا.

قبل أن يتم كل ذلك ، دار حوار بين بلال المسلم ، ووحشي العبد ، عبد ( أبي جهل ) :

-وحشي :اتسخر مني يابن حمامة..

أنى يكون لعبد مثلي رأي فيما يهم قريش ؟

-بلال :هنا..وهنا ( يشير إلى رأسه وقلبه )

 إنما يرى الإنسان لنفسه أولا .

-الإنسان ! حين تكتمل لي تلك الصفة…!

-بلال :….

– وماهمني أنا بأمر محمد!

 – لن تعرف حتى تسأل وتستقصي.
ثم ينهي بلال الحوار ، بعد أن سأله وحشي عن جدوى أن تؤمن بمحمد وأنت معذب مستضعف لا حول لك ولا قوة ، بكلمة :

“إن كان هو الحق فلا شرط عليه..

إنما يطلب الحق لذاته ولا يسام بالثمن العاجل ”
المشهد التالي : بلال يتسلق الكعبة ،يعتلي أحجارها السوداء، ويصدح بالأذان…على مسامع سادات قريش وكبرائها.

Continue Reading

عقدة نقص…أو نقص الأنفس

​علمني عبد الرحمن غنم أن الفقر (العرفاني)عند محمد إقبال هو التحرر من الطمع… والطمع هو مد العين إلى زهرة الحياة الدنيا ومتاعها

” لا تمدن عينيك إلى مامتعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا “

وقد تأملت في نفسي..فوجدتني غير متحقق بفقري..وفي ذات الوقت أنا من أزهد الناس في أكثر المتاع المادي..لا أقول هذا ادعاء ، بل هو محض فضل الله تعالى،قد جبلت على ذلك ولم أصل إليه.هذا التناقض أدى بي إلى التساؤل، فاكتشفت أنه يوجد طمع من وجه آخر ، هو أخطر وأخفى وأدهى …

طمع العصر…

وجدت أن الطمع لا يكون في الحاجات والكمالات المادية فقط بل يكون أيضا  في الحاجات والكمالات المعنوية..أو (الزينة النفسية).ونفوس هذا الزمان شرهة إلى الشعور بالاتحاد والانسجام مع الآخر أيا كان هذا الآخر …جنسا أو مجتمعا أو عملا..كما يقول إريك فروم في (فن الحب).

“أنت واحد معقد” 

وإذا أردنا أن نلقي نظرة إلى هذا النقص بعين العقل الجمعي أو ماوجدنا عليه آباءنا فإن هذه الحاجة هي عقدة نقص…وصاحبها معقد…ويحتاج إلى علاج نفسي وطبيب نفسي..والعلاج النفسي والطبيب النفسي مايزالان سبة وشتيمة في العرف الشائع ، وإن كان هذا العرف قد بدأ مسيره نحو الأفول والزوال بفضل الله…

أبجديات

و إذا ألقينا نظرة نفسية علمية إلى هذه الحاجات نجد في الأبجديات،أنها موضوعة في تدرج هرمي اسمه هرم ماسلو للاحتياجات الإنسانية المادية والمعنوية… أضيف إليه لا حقا الحاجة إلى التسامي..أي تجاوز الذات.

وأي نقص في أحد مستويات هذا الهرم ينتج عنه خلل،مالم يستدرك بالتربية أو الدعم النفسي تحول إلى مرض حقيقي أو (( عصاب )) يحتاج إلى العلاج مثله مثل السرطان والسكري وكل الأمراض الشائعة الأخرى…

للقرآن كلمة أخرى…

وإذا نظرنا إلى هذه الحاجة بقلب قرآني وجدنا أن نقص الأنفس قد ذكر في معرض آيات البلاء في سورة البقرة
ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الاموال والأنفس والثمرات…” الآيات.

فنقص الأنفس ابتلاء من الله،كما هو نقص الأموال والثمرات…وكما يوجد نقص غذاءونقص مياه في مجاهل افريقيا…هنالك نقص تقدير ونقص احترام ونقص اهتمام ونقص حب ونقص أمن نفسي في آفاق العالم كله…

المتسولون

والمتسولون لنظرة اهتمام أو ابتسامة قبول  كثر…والبائعون لدينهم بثمن بخس على بازار الغنى الشعوري ولو كان وهما لحظيا يتكاثرون… والصابرون قليل.والامتناع عن الاندماج في الجماعة في سبيل الحق صعب للغاية…وهذا ماتجلى بشكل فاضح على وسائل التواصل الاجتماعي..حيث يغيب الحضور الحقيقي وتظهر الآفات..

في هذا السياق، كنت أقرأ لأبي حيان التوحيدي لأول مرة منذ فترة قصيرة…فكان أول ماقرأته له دعاء استفتاح يقول فيه :

(اللهم إني أسألك جدا مقرونا بالتوفيق. وعلما بريئا من الجهل.  وعملا عريا من الرياء..وقولا موشحا بالصواب..وحالا دائرة مع الحق ؛ نعم ،وفطنة عقل مضروبة في سلامة صدر…)

ما استوقفني في هذا الدعاء هو كلمة ( نعم ) سألت نفسي نعم جواب لسؤال ؟ فأين موضع الجواب والدعاء سؤال؟

ثم كتبتها ملاحظة :لماذا قال نعم ؟

فأجبت ، ربما سأله الله وهو يناجيه بعد أن قال “وحالا دائرة مع الحق” ، على مافي ذلك من ألم ،وغربة ، ووحشة،وكفران صديق ، ونكران عشير، وظلم قريب ،وغدر عدو ؟

فأجاب ربه أن : نعم.
قد يعيش الإنسان حياة ملؤها الغنى مع حبة تمر وكسىرة خبز…ولكنه يفنى نفسيا بلا نسيج يضمه ولا حضن يؤيه ولا كتف يسنده إذا آل إلى السقوط…وليس بغريب أن يجعل الله من أصناف العذاب التي يجازي بها الظالمين و المستكبرين والمفسدين هو ألا يحبهم..

وجعل من خسرانهم أنهم” خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة”

فهم وإن عاشوا الحياة الدنيا بكل لذائذها واستمتعوا بها فإنهم محجوبون عن الله… و عذاب الحجاب أعظم عذاب كما يقول العارفون..وإن أردت الاستزادة فاستمع لخطبة الدكتور النابلسي (العذاب النفسي لأهل النار)

الذي خلق فسوى ”
لقد خلقنا أسوياء، فطرة الله التي فطر الناس عليها…وقد جاء الإسلام ليعيدنا إلى تلك الفطرة..فليس من العيب أن تعترف بنقصك…وترجو الله أن يكفيك بحلاله عن حرامه،وتسلك سبيل الرشاد حتى يتم لك نقصك وتصبح من الأغنياء…وقدكان من دعاء النبي “اللهم اكفني بحلالك عن حرامك وأغنني بفضلك عمن سواك

مطالبون نحن بالتسوية ” يقول الدكتور علي ابو الحسن”

وابدأ انا بنفسي وأقول إنه لا زال عندي شيء من عقدة المازوخية وبقايا من عقدة الذنب ، أعمل على معالجتها.

خلاصة

الطمع هو الشراهة لإشباع حاجة يلمسها الطامع في نفسه…سواء كانت مادية أو معنوية..الحرص هو مايغذي هذه الحاجة ويحولها إلى طمع..

والتسامي بتجاوز الذات إلى الآخر أو “الغيرية” كما يقول فيكتور فرانكل في (الإنسان يبحث عن المعنى) هو مايجعل لحياتنا معنى في ظل الفاقة.والعفاف والتصبر هو مايحد من أثرها السيء على حياتنا في الدنيا والآخرة.والله رحيم حنان منان…يمد المتصبرين بزاد الصبر ،إلا أن ذلك لا يعفي المجتمع من مسؤولياته ، ولا الفرد من محاولاته لإيجاد النسيج الذي يناسبه.

Continue Reading