اصبع عدنان..ثقة الكائنات الهشة

منذ فترة نشرت على الوتس هذه الصورة لعدنان ولينا الكارتون الشهير الذي يعرفه جيل ال ٩٠ وال ٨٠ جيدا..

وكان هذا التعليق.. “أريد شخصا أثق به كثقة لينا باصبع عدنان”

هذه الصورة على فكاهتها…تعبر عن حاجة دفينة من حاجات الإنسان القلبية وهي أن يثق بشيء ما ثقة مطلقة لا تتغير ولا تهتز ولا تخذل..
وهي أيضا تعبر عن مفارقة هي موضع الفكاهة أن لينا بسبب حبها الشديد لعدنان وثقت في اصبعه الضعيف الذي يمكن أن يفلت في أي لحظة..وهذا في الكارتون طبيعي لضرورات درامية تجذب المشاهدين..
ولكنه في الواقع هو حماقة كبيرة ومخاطرة مجنونة وقلة فقه وقلة إيمان..

الحقيقة الموجعة والمريحة في آن هي أنه لا يوجد كائن بشري في الحياة المعاصرة يمكن أن يكون ثابتا ثباتا مطلقا لا يتغير وموضع ثقة مطلقة لا يخذل..
هذا كان مقام الأنبياء.. ولا نبي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هي حقيقة موجعة…لأن الإنسان ضعيف لا يفتؤ يبحث عمن يثق به ويركن إليه ويتعلق به فيصاب بالخذلانات المتوالية الموجعة..
وفي هذا المعنى قال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى الإمام :
“ما تعلق عبد بمخلوق إلا خُذل من تلك الجهة”
وهذا المعنى مجرّب تشهد له الوقائع
وهو أشبه بقانون مطّرد في عالم العلاقات الاجتماعية..

وهي حقيقة مريحة.. لأن ذلك يخلص الإنسان من عناء الأغيار ويوجهه اضطرارا أو اختيارا إلى الله الواحد القهار.
الذي لجأ إليه لوط عليه الصلاة والسلام وسمّاه {الركن الشديد}
{قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد}
قال أهل التفسير :أو بمعنى بل
يعني بل آوي إلى ركن شديد.

والإنسان حين يطلب الركن الشديد من إنسان مثله هو أولا يطلب شيئا لا يستطيعه…أن يبقى ثابتا أبدا مع ضمان مفتوح!

وثانيا.. هو يتخذ من دون الله ندا يهبه قلبه مطلقا دون قيد أو شرط ويستسلم لما يفعله به استسلام العبد لسيده والمألوه لإلهه..ويعظم شأنه حتى يعطيه صك الثقة الذي لا نهاية له…فتكون النهاية أقرب مما يتخيل هذا الكائن الهش المتعلّق!

{ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشدّ حبّا لله. ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب.إذ تبرأ الذين اتُّبعوا من الذين اتَّبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب…} الآيات.

Continue Reading

الناس بعين القلب

الناس يختلفون في سعة رؤيتهم وتقبلهم لاختلاف الخلق بحسب سعة قلوبهم وانشراحها بالإيمان..
فالذي أنار الله بصيرته واتسع مدى نظره يرى في الناس مالا يراه الذي أظلم بعض قلبه أو كل قلبه..
فقد يرى العارف معرفة واسعة فلانا الذي يبدو عليه أنه من أصحاب الهوى والضلال يراه من الذين فيهم أصل الخير فيسعى إلى سقاية الخير فيهم وإنباته ولو كان غائبا عن ظاهر الأعين..
ويرى آخر معرفته ناقصة ذلك الشخص نفسه من أصحاب الهوى الذين يجب أن يتركوا ويهجروا ولا يلتفت إليهم..
وقد يراه الذي يغلب جهله معرفته ذا علم وفضل ولكن عنده مايسميها بعض الأخطاء.وأما الأعمى فإما أن يرى فلانا علامة فهامة وإما أن يراه أجهل من أبي جهل..وقد يتقلب بين الحالتين بين ليلة وضحاها.

والعجيب أن الإنسان نفسه قد يتنقل بين الأحوال السابقة جميعا..

Continue Reading

إلى من ينتظر طوق نجاة!

من أظلم الظلم لنفسك أن تدعها رهنا لرحمة الآخرين و مساعدتهم ومبادرتهم لإلقاء طوق النجاة لك وأنت غارق في وهنك مستغرق في استسلامك..
يجب أن تؤمن أنك تستطيع القيام والتعافي وحدك بالله دون أي أحد سواه.. يجب أن تخلص قلبك من كل اتكاء على تراب وطين مثلك.. أما علمت أن الطين لزج يتقلب ويتغير ويتشكل ويتلون!
أما علمت أن نفسك تقوم بالنور لا بالتراب وتحيا بماء السماء لا بشيء من الأرض نفسها!
فكيف بعد ذلك تنظر إلى من هو مثلك نظر الاستجداء والاسترحام..
دع عنك كل طمع فإنه لا يورث إلا الذل.. بما في ذلك الطمع في القبول والفهم والانتماء..
أنت مطالب بقبول أهل السماء لأن روحك تنتمي إلى من استوى فوق السماوات فاجعل نظرك وسمعك هناك فيما يقال عنك.. لا في الأرض فإنما أهل الأرض تبع ونتيجة.. فافهم.

{والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا}
{وتوكل على الحي الذي لا يموت}

Continue Reading

لا أعرف..الهاوية

لا أعرف.. الهاوية
كنت أقرأ مؤخرا في كتاب الحياة السائلة لزيجمونت باومان.. ولم أجاوز المقدمة التي قدمتها الدكتورة هبة رؤوف عزت حفظها الله.
كان من ضمن مالخصته من الكتاب في المقدمة حالة اللايقين التي يعيشها الإنسان المعاصر والتي تجعله سائل الفكر والهوية والمعنى لايرتبط بشيء ارتباطا حقيقيا وثيقا..

وبينما كنت أفكر في سؤال ما سألته نفسي وجدتها تهرب مباشرة إلى الإجابة بلا أعرف.. لاوية فمها حيرة واضطرابا مع برود غريب ولامبالاة مثيرة الاستفزاز وعجلة غير محمودة..ودون تفكير

لا أعرف هذه.. التي تعني بوجه آخر لا أريد أن أعرف ولا أحب أن أعرف.. لأني لا أريد أن أتحمل مسؤولية هذه المعرفة ولا أريد أن أعمل وفقا لها…
لا أعرف هذه التي يزينها لي الشيطان بأنها كلمة العلماء الأتقياء والعارفين الكبار..
والحقيقة أن هذا من الزور إذ العالمون هم الذين تعلموا وعلموا وفكروا وتفكروا وبحثوا واجتهدوا حتى وصلوا إلى حد وجدوا فيه أنهم لا يعلمون كل شيء وآمنوا أنه “وما أوتيتم من العلم إلا قليلا”

أما لا أعرف هذه التي نقولها .. هي لا أعرف الجاهلين الذين لا يريدون أن يعرفوا ولا يبالون بعواقب أن لا يعرفوا..
هي لا أعرف العمى والجهالة والغفلة واللايقين والاستمتاع باللايقين والتأرجح بين الأهواء والتناقضات والركون إلى اللذة المتوهمة وراحة الجهل.

ولا أعرف هذه… قد يكون معناها ربما أعرف ولكن لا أريد أن أعرف أني أعرف.. لأن هذا بدوره أيضا قد يكون مؤلما أو قاسيا أو يخالف صنما من أصنام نفسي وحاشى أن أخالفه.

Continue Reading