ما يبدأ بعبادة تقرب ويتحول إلى هوى يبعد

(( مايبدأ بعبادة ويتحول إلى هوى ))

ثمة حقيقة متعبة فحواها أنك مادمت لاتتعب فأنت في مشكلة كبيرة..أنك مادمت لا تجد مايتعب قلبك فأنت لست على الصراط المستقيم ..مادمت تجد كل شيء تفعله سهلا وإن كان بعض منه صحيحا فأنت لست في عبودية لله تعالى بل في هوى وإن زين لك الشيطان مازين وإن خادعت ماخادعت.

يبدأ الملتزم طريق الالتزام بمشقات..مثل الحفاظ على الصلوات وصلاة الفجروتلاوة الورد …ثم مع الوقت تتحول هذه العبادات إلى عادات تصبح سهلة تهواها النفس بل وتطلبها…
فإذا ماتوقف هذا الإنسان عند هذه المرحلة فلم يجاهد في باقي العبادات ..من أمر بمعروف ونهي عن منكر وجهاد شهوات وصبر على أذى الناس واكتساب أخلاق حسنة جديدة والتخلص من أخلاق سيئة وتحقيق مقامات العبودية في أحواله المتقلبة بتقلب احياة وتتالي الفتن…انتكس ولا بد.

فإما أن يستسلم للهوى ويحافظ على مااعتاده من عبادات ويغره الشيطان أنه على خير فيعيش بلا قلب حي ولا خشية يقترف السيئات فلا يندم ويغشى الكبائر فلا يفزغ ويفعل الحسنات فلا يسر وتأتيه النعم فلا يفرح ولا يشكر..وتحل به البأساء والضراء فلا يتضرع .
فيصبح حاله شبيها بحال من قال الله فيهم ” فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية”
ويصبح متلبسا بما نهى الله عنه بني إسرائيل َمن القيام بطاعة والإصرار على معصية..
“أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون”
وإما أن يتسخط فينسلخ من الدين كلية ويترك ماكان اعتاده ويخادع الناس أو يدعوهم إلى ماوصل إليه من هاوية الانتكاس..

والحقيقة أن هذا الحال لا يصيب من كان في البدايات فحسب ..بل قد يصيب من قطع أشواطا في طريق الله ..فكل من ركن إلى دنياه فلم يجاهد في سبيل الله وارتاح إلى ماوصل إليه من مكتسبات بالعبادات فغفل عن الآخرة انقطع به الطريق وهوى في ظلمات الشهوات وذهبت عنه أنوار المحبة والخشية والإنابة..
.
إن الأمر أشبه مايكون بقيادة الدراجة.. فما دمت تحرك قدميك وتناور بيديك وتذهب يمينا وشمالا وتناور السيارات والمارة وصلت إلى غايتك ونجوت… وما إن تذهل عن الغاية والطريق وتتوقف عن الحركة والمناورة حتى تسقط أو تضل الوجهة.. كذلك قيادة  القلب.

وليست الغاية من هذه الكلمات أن تقنط وتقول ” راحت علي” إن كنت من هؤلاء …بل الغاية أن تعود إلى أول العهد فتشعل فتيل الإيمان فيك من جديد وتقاوم أغلال الهوى وتلتجأ إلى القرآن لتشفى وتفزع إلى الدعاء لتضع قدميك على الصراط من جديد وتموت وأنت مقبل على الآخرة راغبا فيها قال للدنيا زاهدا فيها فيطلع الله على نية قلبك فيرحمك.
{۞ وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً ۚ وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [النساء : 100]
اخرج من بيت الراحة وهاجر ولاتقنط.

Continue Reading

في حبّ الذين يحبّون أنفسهم

كنت فيما مضى أشعر بالنشاز والنفور ممن يتحدثون عن أنفسهم بخير وانسجام…وأرى من يفعل ذلك مغرورا قد حاد عن ملة المتواضعين..
وأما الذين ينشرون صورهم مع قلب فقد كان هؤلاء عندي من المجانين..
وقد انقلب بي الحال اليوم إلى حب هؤلاء والرغبة في الانضمام إلى حزبهم..

لا أدري كيف شرعنت عداوة النفس وكراهيتها والعمل ضدها عبر التاريخ تماما،لكن ما بت متيقنا منه من خلال تجربتي أن هذا السبيل هو من أهم السبل التي يسلكها الشيطان في هذا الزمان من أجل إفساد حياة الإنسان في الدنيا والآخرة..فهو إن زعزع الأرض الصلبة التي يقف عليها الإنسان – وهي نفسه-وشقها أصبح من السهل عليه قيادته إلى الهاوية واستدارجه نحو العذاب مهما كان حريصا على الطاعة والهدى.

ومن أهم أسباب هذه العداوة في نظري :
1.الجو النفسي المشحون الذي يسود الأسرة والمجتمع المحيط..

2.الجهل بأبجديات التعامل مع النفس وغياب الثقافة النفسية

3. عدم استعمال تعاليم الدين  كما ينبغي من قبل كثير من العلماء والدعاة في حل المشاكل المتجذرة في النفوس..

4.العرض المجتزأ والتعلم المجتزأ للدين

5.انتشار ثقافة التنمية البشرية لفترة ليست قصيرة ما أدى إلى الجهل المركب بالنفس

6.الحروب والاضطرابات السياسية والاجتماعية عززت من الشحن النفسي فأصبح المضطربون أكثر اضطرابا إلا من رحم الله..

والخطير في الأمر أن الإنسان الذي لا يحب نفسه لا يستطيع أن يحب غيره حبا سويا.. وهو إن أحب حقيقة ظهر حبه بشكل غير طبيعي وتشكل في سلوكيات غير متزنة..
وذلك بدءا من حبه لله تعالى حتى حبه لأقرب الناس إليه..
فمثلا قد يكون حبه متسلطا أو خانعا وقد يكون حبا متطفلا أو مستغلا.. وقد يكون حبه قائما على العطاء والتضحية بلا أخذ ولا حدود
وغيرها من أشكال الحب المشوهة.

وليس حب النفس هو تأليهها ولا الإعجاب بها إعجاب المزهو الفخور فهذا هو المذموم في الدين والعرف والعقل..
ولكن هو حب الخير الذي أودعه الله فيها والأنس به والسرور لأجله والامتنان لله له و الاعتزاز به في بعض الأوقات..

والعجيب أن الله سبحانه فصل لنا في القرآن المجيد هذا المعنى في عدة مواطن :
فهذا نبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام يتغنى بنفسه ويتحدث عنها في آيات حكاها الله لنا تثير في النفس لواعج المحبة والأنس :
{قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا}
{وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا}
{وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا}
{وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} [مريم]
بالله! انظر واستمع إلى الآية الأخيرة…إنه عليه السلام يسلم على نفسه!
هل يجرؤ أحد في عصرنا أن يسلم على نفسه!
سيتهم بالجنون والغرور لاريب!
لكنها سنة نبوية، سنة السلام والانسجام النفسي البعيد عن التعالي والانتفاخ والوهم!

وانظر إلى نبي الله يوسف كيف يقول لعزيز مصر {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف : 55]

وانظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم كيف يعلن انسجامه ويعلو صوته في وقت انهزام المسلمين في حنين “أنا النبي لا كذب…أنا ابن عبد المطلب”

وانظر إليه كيف يتحدث عن نفسه في بعض الأحاديث :
عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :بعثتني قريشٌ إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فلمَّا رأيتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ألقيَ في قلبي الإسلامُ فقلتُ يا رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ إنِّي واللَّهِ لا أرجعُ إليهم أبدًا قال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ {إنِّي لا أخيسُ بالعَهدِ ولا أحبسُ البرد} ولَكنِ ارجِع فإن كانَ في نفسِكَ الَّذي في نفسِكَ الآنَ فارجِع قال فذَهبتُ ثمَّ أتيتُ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فأسلمتُ
البرد:الرسول.

عن جبير بن مطعم أنَّهُ بيْنَما هو يَسِيرُ مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ومعهُ النَّاسُ مَقْفَلَهُ مِن حُنَيْنٍ، فَعَلِقَهُ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ حتَّى اضْطَرُّوهُ إلى سَمُرَةٍ، فَخَطِفَتْ رِدَاءَهُ، فَوَقَفَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقَالَ: أعْطُونِي رِدَائِي، لو كانَ لي عَدَدُ هذِه العِضَاهِ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بيْنَكُمْ، ثُمَّ لا تَجِدُونِي بَخِيلًا، ولَا كَذُوبًا، ولَا جَبَانًا.

قال عليه الصلاة والسلام :أنا محمدُ ، وأنا أحمدُ ، وأنا نبيُّ الرحمةِ ، ونبيُّ التوبةِ ، وأنا الْمُقَفَّى ، وأنا الحاشرُ ، ونبيُّ الملاحِمِ.

إن كل ذلك إنباء عن حقائق لا أوهام! وكل ذلك إثبات للخير الذي تحمله أنفسهم الشريفة… وكل ذلك تزكية للنفس ومعرفة لها ولتقواها دون خجل هزيل أو مواربة كاذبة!
وإنه لخيط دقيق بين الحقيقة والوهم… وليس لنا من الأمر شيء سوى أن نحاول!

صلى الله عليهم وسلم ورزقنا حبهم وحسن اتباعهم والحشر معهم.

Continue Reading

آيات تقتل اليأس

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله.

هذه محاولة تدبرية لكتاب الله تعالى أتتبع فيها الآيات التي يفتح فيها الله تعالى باب الرجاء في رحمته وأمل الحياة بعفوه والإغاثة بأنواره،للمسرفين والعصاة،ولمن تنكب طريق الهداية بالأخص بعد أن سار فيه شوطا طال أم قصر.هذا المقال سيتم التعديل عليه وتجديده كلما فتح الله بمعنى جديد.
أول آية في كتاب الله تدل على سعة رحمة الله تعالى وحلمه وصبره على عباده قوله تعالى :
{يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون}
انظر معي كيف أن الله سبحانه بعد أن ذكر أصناف الناس في أوائل السورة مؤمنهم وكافرهم ومنافقهم لم يكتف بذلك..لم يقل لنا هؤلاء هم أصناف الناس وانتهى الأمر.. كلا بل هو يدعوهم جميعا إلى عبادته وحده كي يتقوا عذابه وينالوا رضوانه..يدعو الكافر إلى الإيمان  ويدعو المنافق إلى الإخلاص له والمؤمن إلى الازدياد من الإيمان…فلم يقنط أحدا من العودة إليه سبحانه وتعالى..فعلام نيأس؟

الآية الثانية: قال تعالى:{وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين. فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين}

هنا يخاطب الله تعالى الكافرين الذين في قلوبهم ريب وشك من آيات القرآن متحديا إياهم أن يأتوا بمثل القرآن.. حتى يعجزوا فيؤمنوا! ثم يدعوهم إلى اتقاء ناره التي أعدها للكافرين… فلم يقل لهم أيها الكافرون أنتم من أصحاب النار لأن في قلوبكم ريب.. بل فتح لهم بابا إلى رحمته.. فكيف بعد ذلك يقنط الإنسان؟

الآية الثالثة:{و إذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون. ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون}
من وسائل تيئيس الشيطان للإنسان أن يقول له أنت كنت تعرف  طريق الحق والهدى ثم عصيت وأسرفت..فلا عذر لك ولا مجال لأن تتوب فيتوقف عن التوبة.
َوفي هذه الآية يمن الله على بني إسرائيل أن عفا عنهم بعد أن عبدوا العجل رغم معرفتهم أنه لا إله إلا الله ورغم معرفتهم السابقة بالإيمان ونصر الله لهم على فرعون ومع ذلك عرفهم الله طريق التوبة ثم تاب عليهم و عفا عنهم..
فلا تقنط مهما كنت ومهما فعلت.

الآية الرابعة:{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}
من القلوب ما هو كالحجارة أو أشد قسوة..
ولكن هل هذه هي النهاية؟
كلا.. بل الله عز وجل يقول لك: إن من الحجارة-والتي قد يكون منها قلبك- مايتفجر منها أنهار الإيمان..وهذه حالة من حالات عودة الإيمان إلى القلوب التي طال عليها الأمد
وإن منها لما يشقق.. يتسرب إليها ماء الإيمان فيخرج منها..وهذه حالة أدنى.
وإن منها.. لما يهبط من خشية الله… وهذه حالة عُليا.

الآية الخامسة :{يابني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين} البقرة ١٢٢.

انظر-إن شئت- إلى كل مافعله بنو إسرائيل قبل هذه الآية من جرائم ومعاص…ثم تدبر كيف يناديهم الله سبحانه بلطف وتودد ويذكرهم بنعمته السابقة الأولى وهي تفضيلهم على أمم زمانهم بالنبوة والكتاب ليرجعوا إلى ربهم.فكيف تيأس من رحمة الله بك يامن قرأت الكتاب وآمنت به يوما وهو يدعوك لتقبل عليه رغم كل ماجنيت.

الآية السادسة:

{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة : 159]
{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة : 160]
انظر إلى عظم الجريمة، وهي كتم آيات الله وعدم تبينها للناس، وعظم العقاب وهو الطرد من رحمة الله..
ثم انظر إلى سعة الرحمة والحلم في الاستثناء.
{وأنا التواب الرحيم}
“الرجاع بقلوب عبادي المنصرفة عني إلي..
الرحيم بهم بعد إقبالهم علي” تفسير البغوي.

.الآية السابعة:

{فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [البقرة : 192]
( فإن انتهوا ) عن القتال والكفر ( فإن الله غفور رحيم ) أي غفور لما سلف رحيم بالعباد
البغوي.
إذا كان الانتهاء عن الكفر وقتال المؤمنين يوجب المغفرة والرحمة
فكيف بالمسلم العاصي الذي ينتهي؟

الآية الثامنة :

{كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [آل عمران : 86]

{أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [آل عمران : 87]

{خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ} [آل عمران : 88]

{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [آل عمران : 89]

انظر إلى هذه الآيات الملأى بالتهديد والتخويف الذي قد يقود أحدنا إلى حافة اليأس والقنوط والسقوط ثم يأتي الاستثناء لينتشلك ويضعك في ماء الحياة فيورق فيك الأمل من جديد وتتألق فيك أنوار الرجاء والحياة.

ورد في تفسير الإمام البغوي أن الحارث بن سويد لحق بالكفار على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أسلم، فندم، وأرسل إلى قومه في المدينة أن سلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لي من توبة؟ فأنزل الله هذه الآية آية الاستثناء.ففي هذه الآية دليل على أن من كفر بعد الإسلام ومن انتكس بعد أن عرف طريق الحق له عند الله عهدأن يتوب عليه إن ندم وعاد وأصلح. فكيف يقنط بعد ذلك مسلم؟

الآية التاسعة :

{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران : 135]

إنَّ عَبْدًا أصابَ ذَنْبًا – ورُبَّما قالَ أذْنَبَ ذَنْبًا – فقالَ: رَبِّ أذْنَبْتُ – ورُبَّما قالَ: أصَبْتُ – فاغْفِرْ لِي، فقالَ رَبُّهُ: أعَلِمَ عَبْدِي أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ويَأْخُذُ بهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ ما شاءَ اللَّهُ ثُمَّ أصابَ ذَنْبًا، أوْ أذْنَبَ ذَنْبًا، فقالَ: رَبِّ أذْنَبْتُ – أوْ أصَبْتُ – آخَرَ، فاغْفِرْهُ فقالَ: أعَلِمَ عَبْدِي أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ويَأْخُذُ بهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ ما شاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أذْنَبَ ذَنْبًا، ورُبَّما قالَ: أصابَ ذَنْبًا، قالَ: قالَ: رَبِّ أصَبْتُ – أوْ قالَ أذْنَبْتُ – آخَرَ، فاغْفِرْهُ لِي، فقالَ: أعَلِمَ عَبْدِي أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ويَأْخُذُ بهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثَلاثًا، فَلْيَعْمَلْ ما شاءَ.

الآية العاشرة:

{والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيما} [النساء ٢٧].

يتبادر إلى أذهاننا أحيانا إذا فعلنا ذنبا أو أخطأنا خطيئة أو تعمدنا معصية ما أن الله متربص بنا وسيعاقبنا.. ويذكرنا الشيطان في الوقت المناسب لعداوته أن الله بما نعمل بصير وأنه شديد العقاب… كل ذلك بعد أن نكون قد قضينا وطرنا من الشهوات وانتهى الأمر لماذا؟
حتى يوقعنا في المعصية الأكبر.. اليأس من رحمة الله..وسوء الظن بالله…

ولكن المفاجأة التي قد لا نذكرها دوما…هي أن الله ينتظر منا بعد المعصية أن نتوب و لا يتربص بنا  ليعاقبنا..
واقرأ إن شئت قوله تعالى مرة أخرى {والله يريد أن يتوب عليكم}

الآية الحادية عشر:

{وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله الله توابا رحيما}
هذه الآية جاءت بعد آيات تتحدث عن منافقين تحاكموا إلى الطاغوت.. إلى غير الله تعالى ورسوله.
فهل بعد ذلك يقنط إنسان يعقل؟

Continue Reading