جورج اورويل مرة أخرى…[أن تبقى إنسانا]
” وإذا استطاع المرء أن يشعر بأن بقاءه إنسانا هو أمر يستحق التضحية من أجله ، حتى لو لم يؤد ذلك إلى نتيجة ، فإنه يكون قد ألحق بهم الهزيمة “
أن تبقى إنسانا ، أو أن تموت وأنت إنسان ولو لم يؤد ذلك إلى نتيجة ؟! أمر يستحق أن تضحي من أجله ؟!! ألحق بهم الهزيمة!
اثق تماما ان هذه الكلمات تبدو مضحكة جدا للكثيرين ، بل إنها مثار سخريتهم وضحكاتهم الجوفاء على وسائل التواصل الاجتماعي… ط
كيف ننتصر ونحن نموت كل يوم ؟
كيف ننتصر (وليس لنا من الأمر شيء ) كل الامر لهم ! يقتحمون أحياءنا ، ويقتلون شيبنا وشباننا ، ويعتقلون نساءنا متى شاؤوا ، أذلاء نحن مستضعفون لا حول لنا ولا قوة ، كيف تجرؤ على أن تسمي ذلك نصرا ؟ ألا تخجل من نفسك أن تستهتر بكل تلك الدماء والأعراض ؟!
هذه كلماتهم واسئلتهم ، منهم من يجرؤ على قولها ، ومنهم من يبقيها في قلبه الخبيث ، ويقولون بأفواههم ماليس في قلوبهم ، حتى إذا انقلب الحال يوما قالوا : ألم نكن معكم ؟
كنا عايشين
سمعت الشيخ محمود الدالاتي مرة يزأر على منبر مسجد عمر بن الخطاب بحمص بما معناه :
” ولتجدنهم أحرص الناس على حياة…”
أي حياة…حياة البهائم السائبة التي تأكل وتشرب وتنكح…حياة الأذلاء الصاغرين ،حياة المقهورين..
لايهم…المهم أن تكون حياة نتنفس فيها ، ولو كانت أنفاسنا عبئا على الكون .
بلال..ووحشي عبدان أسودان
في هذا السياق أيضا ، كنت أشاهد منذ فترة مسلسل (عمر بن الخطاب ) ، إحدى الحلقات كانت عن مرحلة الانتقال من الدعوة السرية إلى الجهر والإعلان ، فصورت بطش قريش بضعفائها الذين عرفوا الحق وآثروا اتباعه على البقاء تحت سيادة كبرائهم مذلين مهانين يأكلون ويشربون ويتمتعون…
بلال ، كان أحدهم . صديقه وابن جلدته وحشي كان يشفق عليه ، ويتعجب في ذات الوقت من قوته وصلابته التي أبداها أمام تعذيب سيده أمية بن خلف ، بعد ان كان عبدا ضعيفا خوارا لا يعصي له أمرا.
قبل أن يتم كل ذلك ، دار حوار بين بلال المسلم ، ووحشي العبد ، عبد ( أبي جهل ) :
-وحشي :اتسخر مني يابن حمامة..
أنى يكون لعبد مثلي رأي فيما يهم قريش ؟
-بلال :هنا..وهنا ( يشير إلى رأسه وقلبه )
إنما يرى الإنسان لنفسه أولا .
-الإنسان ! حين تكتمل لي تلك الصفة…!
-بلال :….
– وماهمني أنا بأمر محمد!
– لن تعرف حتى تسأل وتستقصي.
ثم ينهي بلال الحوار ، بعد أن سأله وحشي عن جدوى أن تؤمن بمحمد وأنت معذب مستضعف لا حول لك ولا قوة ، بكلمة :
“إن كان هو الحق فلا شرط عليه..
إنما يطلب الحق لذاته ولا يسام بالثمن العاجل ”
المشهد التالي : بلال يتسلق الكعبة ،يعتلي أحجارها السوداء، ويصدح بالأذان…على مسامع سادات قريش وكبرائها.